هكذا تم تحويل الإسلام إلى طقس يهودي للمفكر العربي الدكتور أسامة عكنان

هكذا تم تحويل الإسلام إلى طقس يهودي للمفكر العربي الدكتور أسامة عكنان

21-09-2025

هكذا تم تحويل الإسلام إلى طقس يهودي للمفكر العربي الدكتور أسامة عكنان

انقلاب معايير الأولويات في الإسلام منذ تم تقديم السنة الشريفة على القرآن الكريم
هكذا تم تحويل الإسلام إلى طقس يهودي

بقلم: أسامة عكنان

فللقرآن الكريم مكانته الأولى في الصدارة في كل شيء له علاقة بالإسلام، وللسنة مكانتها الثانية بعده وليس قبله، وذلك وفق منظومة قواعد صارمة تحدد لها أدوارها التي تقف عندها لا تتعداها لا تشريعيا ولا إخباريا، وتكون قواعد واضحة وضوحا لا لبس فيه في دلالتها على هيمنة القرآن هيمنة غير قابلة لأي تأويل تشريعيا وإخباريا أيضا.
تعالوا معنا لنقوم بتجربة غير نمطية لميتعود عليها المسلمون نعرض من خلالها فكرتنا:
فلنقم بإحصاء الآيات القرآنية التي تحدثت عن أحكام الشعائر التعبدية الثلاث التي تحظى لدى المسلمين بأكبر قدر من الأهمية والقداسة وهي: "الصلاة" ولواحقها وعلى رأسها "الوضوء"، و"الصيام"، و"الحج"..
ثم لنقم بإحصاء الآيات القرآنية التي تحدثت عن العقوبات على بعض الجرائم، والتي تُعرف في الاصطلاح الموروث بـ "الحدود"، مثل حد القتل، وحد الحرابة، وحد الزنا، وحد السرقة، وحد قذف المحصنات.. إلخ..
ثم لنقم بعد ذلك بإحصاء الآيات القرآنية التي تحدثت عن الأخلاق في المعاملات بين الناس.. ثم بعد ذلك وأخيرا، لنقم بإحصاء الآيات القرآنية التي نظمت الحياة المجتمعية، والعلاقات بين الناس، وخاصة في الأسرة، من زواج وطلاق وحضانة ورضاع، واستئذان، ولباس، وفي المعاملات التجارية، من بيوع، ودين، وتعاملات ربوية، وميزان.. إلخ..
ماذا سنلاحظ؟!
إن إجمالي آيات المجموعة الأولى المتعلقة بالعبادات المذكورة، سواء ما ورد منها بالتفصيل أو بالإجمال، لا تزيد عما نسبته 10% من إجمالي آيات المجموعة الرابعة المتعلقة بتنظيم الحياة المجتمعية، ولا تزيد عما نسبته 10% أيضا من إجمالي الآيات المتعلقة بالمعاملات الأخلاقية..
كما أن إجمالي آيات المجموعة الثانية المتعلقة بالحدود أي بالعقوبات على بعض الجرائم، فإنها لا تزيد عما نسبته 5% من إجمالي آيات المجموعتين الثالثة والرابعة، المتعلقتين بتنظيم العلاقات المجتمعية، وبتنظيم المعاملات الأخلاقية على التوالي..
من البديهي أن يتم افتراض أن ما أولاه الله سبحانه وتعالى في كتابه اهتماما كبيرا عبر تفصيله وتكراره والتوسع فيه، يجب أن يكون حتما أهم في المعايير الإلهية، وأكثر أولوية في رعايته وتقديمه، مما كان اهتمامه به وتكراره وتوسعه فيه أقل، والعكس حتما سيكون مفهوما مغلوطا..
وهذا يعني، أو يجب أن يعني أن الصلاة والصيام والحج – وهي الشعائر التعبدية الأساس في الإسلام كما ورثناه – ليست بأهم من تنظيم العلاقات المجتمعية بين الناس في الأسرة وفي التجارة وفي غيرهما، ولا هي أهم وأولى بالتقديم واعتبار القداسة والسمو من المعاملات الأخلاقية بين الناس..
كما أنه يعني أن الحدود والعقوبات على بعض الجرائم أقل أهمية من الأخلاق، ومن تنظيم المجتمع..
ومن ثم فإن أي محاولة لعكس هذه المعادلة، وتكريس فكرة أن شعائر الصلاة والصيام والحج هي أهم مظاهر الإسلام، وأن تطبيق الحدود على الزنا والسرقة والقذف.. إلخ، هي أهم مظهر من مظاهر تطبيق حكم الله، كما يشيع ذلك النهج السلفي بوجه عام، هي محاولة مغرضة ومشبوهة، ولا وزن إسلامي لها، لأنها تفرض لهذا الدين وللقرآن الكريم فهما من وحي الأمراض والأوهام وتقديس الفهم الموروث..
فالله سبحانه وتعالى لو كان يريد لتلك الشعائر التعبدية أن تكون هي الأهم والأولى بالرعاية، لأشعرنا بذلك، ولاهتم بها أكثر من غيرها، ولما تجنب التفصيل الدقيق فيها كما فصل في الأحكام الاجتماعية، ولركَّزَ عليها بأكثر مما ركز على المعاملات الأخلاقية بين الناس، فهو لم يكن لا عاجزا عن ذلك، ولا راغبا في تضليلنا وتشتيت عقولنا بالقيام بأمر وهو يريد ضده مثلا..
كما أنه سبحانه وتعالى لو أراد للحدود على بعض العقوبات أن تكون هي معيار الحكم على حكم ما بأنه حكم الله أو أنه ليس حكم الله، كما يشيع السلفيون، لكرَّس هذا المعنى في كتابه، ولما ركَّزَ على الأخلاق، وعلى النظم المجتمعية الأخرى، وعلى رأسها ما يتعلق بالأسرة، أكثر منها بعشرين مرة..
دعونا ننتقل الآن إلى خطوة متقدمة في هذا العرض التحليلي، عبر استعراض واقع السنة النبوية الشريفة، أو لنكون دقيقين في التعبير، عبر استعراض ما يُنسَب إلى السنة النبوية الشريفة، وسنأخذ من صحيحي البخاري ومسلم نموذجا، كي تكون الاستنتاجات دالة وذات وزن!!
إن هذين الصحيحين، وهما أهم كتابين عند المسلمين بعد القرآن الكريم، لا بل هما أهم من القرآن الكريم عند السلفيين الذين استخدموا فكرة القداسة القرآنية لجعله عاليا إلى درجة أنه لا يمكن أن يُفَهَم إلى بهذين الكتابين تقريبا..
نقول: إن هذين الصحيحين ينطويان على المعيار المناقض، وعلى التراتبية الضد، لما ذكرناه عن القرآن الكريم حول القضايا الأربع التي اتخذنا منها منطلقا لتحليل فكرتنا وعرضها..
فالأحاديث المنسوبة إلى الرسول الكريم عليه السلام في هذين الكتابين، يمكن تقسيمها لجهة الموضوعات الأربع السابقة وهي: "الأحكام الناظمة للمجتمع"، و"المعاملات الأخلاقية بين الناس"، و"الحدود على بعض الجرائم"، و"الشعائر التعبدية الثلاثة وملحقاتها"، على النحو التالي، وليراجع هذا التقسيم من يشاء باطلاعه على الكتابين:
الشعائر التعبدية تحتل ما لا يقل عن 40% من كل كتاب..
الحدود على بعض الجرائم تحتل 15% من كل الكتاب..
المعاملات الأخلاقية تحتل 5% من كل كتاب..
أحكام تنظيم العلاقات المجتمعية ومن بينها الأسرية تحتل أقل قليلا من 10% من الكتابين..
أي أنه يُراد لنا أن نفهم أن الرسول الكريم عليه السلام، يعطي اهتماما أكبر بكثير لما أعطى الله له اهتماما أقل بكثير، والعكس أيضا، أي أن يُراد لنا أن نفهم أن الرسول يهتم بشكل قليل ومتدن، لما أولاه الله كل اهتمامه وعنايته ورعايته..
فالله يجعل اهتمامه بالشعائر في ذيل قامة الموضوعات الأربعة، فيما الرسول عليه السلام، يخالف ربه، ويعطي اهتمامه الأكبر وبشكل غير عادي ومبالغ فيه، لما جعله الله في الذيل، ويضعه في رأس القائمة، وبفروق مهولة عما سواه..
كما أن الرسول الكريم عليه السلام، يخالف ربَّه أيضا، بأن يعطي اهتماما مُتَدَنِّيا للأخلاق ولتنظيم المجتمع، بأن يضعها في ذيل القائمة، مع أن الله في كتابه جعلها في رأس القائمة..
بطبيعة الحال فإن الرسول عليه السلام لا يمكنه أن يفعل ذلك، لأنه أمين على نقل الرسالة جملة وتفصيلا، شكلا وموضوعا..
كما أننا نتوقع أن يَرُدَّ علينا بعض من غزتهم أساطير السلفية وأوهامها، بأن الرسول كان يُفَصِّل ما لم يُفَصِّله الله في كتابه، ولأن الله فصل في كتابه كثيرا في الأخلاق وأحكام تنظيم المجتمع، وكان مقلا في تفصيل العقوبات والعبادات، فإن الرسول لم يكن بحاجة إلى تفصيل ما كثر تفصيل القرآن فيه، فجاءت حصيلة السنة في هذا المجال أقل من حصيلتها في الأمور الأخرى، التي احتاجت إلى تفصيل واسع، لأن القرآن الكريم كان مجملا فيها ولم يفصل كثيرا، كما هو شأن العبادات..
وهذا كلام ساقط ومرفوض علميا لأنه قائم على فكرة مؤداها هذا الخلل التاريخي الذي فرضه علينا السلفيون في العلاقة بين القرآن الكريم والسنة النبوية، حيث أعطوا للسنة صلاحية نسخ القرآن، وتعميم خاصه، وتخصيص عامه، وإجمال مفصَّلِه، وتفصيل مجمله، وتقييد مطلقه، وإطلاق مقيَّده..
وهذا مكمن الخطأ الذي كان بمثابة البداية التي راح يقيم عليها أولئك صرح ما غدا في تصورنا خللا دينيا..
ولم يشأ أحد لا منهم، ولا ممن خضع لمخرجات ذلك الخلل، أن يفهم أن المسألة ليست كذلك وإنما هي على النحو التالي:
"إن الله عندما فصل في أمور وترك التفصيل في أمور أخرى، فليس لأنه سبحانه وتعالى أراد ترك التفصيل فيما لم يفصله للرسول عليه السلام كي يفعل هو ذلك نيابة عنه، وإنما هو قعل ذلك سبحانه لأنه لم يكن يريد منا شيئا أكثر مما ذكره وفي حدود ما فصله في كتابه، لأنه ما دام قد فصل في غيره عندما أراد التفصيل على ذلك النحو، فلم يكن ليعجزه أن يفصل فيما لم يفصله إن كان يريد أكثر من مجرد الإجمال الوارد"..
لأن هذه الفرضية التي يقيم عليها أولئك صرح هذا البناء المختل، هي التي قلبت الدين والشريعة والإسلام رأسا على عقب، لأنها فرضية تثير تساؤلا لا إجابة عليه إلى بإغلاق العقول وعدم السماح لها بأي تفكير، ولأنها تلغي الحكمة عن الفعل الإلهي، وتسمه بالعبث.. وهذا التساؤل هو التالي:
"لماذا أراد الله أن تكون الصلاة وأن يكون الصيام وأن يكون الحج، أمورا يُحال تفصيلها إلى الرسول الكريم، إذا كانت هي الأهم في هذا الدين، فيم يختص نفسه بالتفصيل في الأخلاق وفي تنظيم المجتمع، مقلصا دور الرسول في ذلك، إذا كانت هذه الأمور لا تحظى بأهمية تلك الشعائر"؟!
هل يعطي الله الأهم للرسول عليه السلام، ويحتفظ لنفسه بالأقل أهمية؟!
هل يضع الله رسوله في المقدمة، ويقف هو سبحانه وراءه؟!
ومع أن الإجابة غير متوفرة بأي منطق عقلي سليم، لأن الإيمان بهذا الفهم المعوج هو في ذاته مثلبة عقدية كبرى في حق الله وتصورنا عنه سبحانه وتعالى، إلا أنها في النهاية لا تعني إلا شيئا واحدا مفاده أن السنة أهم من القرآن، وأن الرسول الكريم عليه السلام، مقدم على الإله نفسه في تقرير الأحكام والقيم والمفاهيم، وهذا بخلاف ما كان عليه السلام يؤكد عليه ويكرسه ويلِحُّ عليه في حياته، عندما كان يحرص على عدم تدوين كلامه كي لا يختلط بكلام الله..
بطبيعة الحال ليس ما نقوله انتقاصا من أهمية السنة الصحيحة ومن دورها في التشريع وفي استصدار الأحكام، ولكن هو مجرد توصيف منطقي للحالة الراهنة، التي تكشف عن زيف في المفاهيم، وعن انقلاب في المعايير، وهو ما جعلنا نعمل على إظهاره من باب التأسيس لضرورة إعادة النظر في علاقة القرآن الكريم بالسنة النبوية الشريفة، للخروج بقواعد جديدة تحررنا من ربقة بعض مظاهر الماضي الخانقة، ومن ربقة السلفية التي تحاول خنقنا به عندما تفرض علينا أن نعتبره هو الدين وهو الوحي وهو الإسلام ذاته..
وأخيرا فلا يسعنا في هذا المقام إلا التذكير، بأن المبالغة في الطقوسية الشعائرية، هي ديدن "اليهود"، وهو ما آخذهم الله عليه وانتقدهم بسببه، وتوراتهم المحرفة ليست أكثر من كتاب طقوس معظمها وثني، لأن المبالغة في الطقوسية، يجرنا فورا وبلا أيِّ تحفُّظٍ، ومن حيث ندري أو لا ندري إلى مزالق الوثنية، وكلما كان الدين نَقِيا من أيدي البشر العابثة، كلما كانت الطقوسية فيه متدنية، لأن الله مستغن عن طقوسيتنا، ولأنه يريد منا ومن علاقتنا به أن تكون عقلانية روحية تنزع نحو التجريدية كما أمكن ذلك، وتتعامل مع الطقوسية في حدها الأدنى الذي لا مفر منه، لا أن تكون علاقتنا بها كلها جملة وتفصيلا عبارة عن طقس يؤول في محصلته إلى الطقوسية الوثنية..
أليس الإمعان في تحري المبالغة في الطقوسية خارج القرآن الكريم الذي تحرر منها بشكل يكاد يكون كاملا تقريبا، عبر الزج بالسنة في هذه الدائرة، هو شكل من أشكال محاولة تهويد الدين الإسلامي، عبر منح الصلاحيات الكبرى للمرجع الديني النصي الذي أمكن إغراقه بهذه الطقوسية، بسبب التزوير والتحريف والكذب التي كان من السهل أن تتعرض لها السنة، بعد أن وقف القرآن الكريم حاجزا وسدا منيعا أمام كل من حاولوا ذلك به كنص، فالتفوا عليه بأن منحوا سلطة تفسيره وإدارة معانيه وأحكامه للنص المرجعي الذي تمكنوا من التلاعب به، ليحققوا بهذه الشعوذة، ما عجزوا عن تحقيقه من خلال المعنى المباشر والواضح والساطع للنص القرآني..
نعم، إننا نصرخ بأعلى صوتنا: إن طقوسية السنة المكذوبة على الرسول الكريم عليه السلام، على هذا النحو المبالغ فيه، هي أول مظهر من مظاهر "تهويد الإسلام"، وكل من ينتهجون هذا النهج هم وحدهم من يتحملون مسؤولية تحويل الإسلام إلى طقس لا يختلف كثيرا عن طقس اليهود..