مقدمة منهجية: الأبعاد السبعة وفلسفة التشخيص والتجريد

مقدمة منهجية: الأبعاد السبعة وفلسفة التشخيص والتجريد

21-09-2025

مقدمة منهجية: الأبعاد السبعة وفلسفة التشخيص والتجريد

إن مفهوم "الأبعاد السبعة" الذي نتناوله ليس مصطلحًا فيزيائيًا يتعلق بفيزياء الكم أو الفيزياء الكلاسيكية، كما أنه لا يمثل مفهوماً هندسياً محضًا. بل هو في جوهره وصفة تفاعلية مع الوجود والمعرفة والقيم، وسوف نتحدث عنها بالتفصيل لاحقًا، لكننا سنحتاج للتمهيد لها. لقد تطور الأمر إلى أن أصبح بحثاً قرآنياً وبحثاً في الكتاب المقدس. وسنتبع في عرض الموضوع منهجية قرآنية، فليس هناك ما هو أفضل من منهج القرآن الكريم الذي يطرح الموضوع الواحد من عدة جوانب، مما يسمح بفهم أعمق وأكثر شمولاً.

ولأن الأفكار التي نطرحها معقدة ومتشابكة، وقد تكون أحيانًا ثورية وصادمة، فلا بد من أن تأخذ حقها من الشرح والتحليل. وهذا ما يدعونا إلى استمهال القارئ، فلا يتعجل في إصدار حكمه قبل استكماله قراءة كامل المشهد التحليلي حول أي موضوع من الموضوعات المطروحة وعن أي بعد من الأبعاد السبعة وهي البعد التراكمي، الإفتراضي، الإختياري، الإستحقاقي، الإنسياقي، الإعتباري، والإحترازي. ولأنني ما أزال في خضم هذا البحث والتأمل، فإنني لا أعتبر نفسي مؤهلاً لتقييم الآخرين. ومع أن هذه الموضوعات لها أهمية بالغة عندي وعند من شاركني الاهتمام بها من الأصدقاء من المفكرين والباحثين، إلا أنني أؤكد على أنني أتدرج في مستويات الطرح لفلسفة التشخيص والتجريد التي اجتهدت لأكثر من سبعة وعشرين عاما لأخرجها ضمن سبع مستويات يمثل كل مستوى من المستويات عالما من الأفكار والتصورات والمعالجات لكافة المباحث الفلسفية يبدو وكأنه منفصل عن المستوى الأدنى منه الى درجة يبدو معه أن هناك فجوة كبيرة بين المستويين لعظيم الفرق في القفزات النوعية المعرفية وخطورة الطرح وصادميته كلما ارتقينا بالمستوى مبينا أنني لم أطرح الى الآن من هذه الفلسفة إلا المستوى الأول والذي يمثل مقدمات ونماذج فقط وبدأت مؤخرا بطرح المستوى الثاني من البعد التراكمي من خلال حوالي ستون ساعة بث متوفرة على قناتي الأبعاد السبعة حوار وأسرار.

موقف فكري وفلسفة شخصية
أستطيع أن أقول بأنني لا أنتمي لأي دين من الأديان الموازية التي أنتجها تآمر السلطات السياسية والسلطات الدينية عبر العصور. فمع إقراري بأنني نشأت نشأةً سلفية، إلا أنني لست سلفيًا. ومع ذلك فإن علاقتي مع أتباع الأديان المختلفة والجماعات والطوائف علاقة حيادية وموضوعية وليس لي موقف ذاتي معين. بمعنى انني أتعامل بود مع كل من ألقى السلام منهم وأجافي كل متطرفٍ متعنتٍ بالرأي وأعادي كل من يحاول الإجرام ويعادي ويحارب ويبث الكراهية والبغضاء بين أفراد الإنسانية وجماعاتها. وبالطبع فإنني لا أنتمي لأي جهة ولا لأي جماعة ولا لأي تيار ولا لأي حزب. فأنا مستقل ولي منهجي الخاص، حيث يمكنني القول أن لدي مجموعة من الأفكار المتسقة التي تشكل في مجموعها فلسفة خاصة تعالج كافة جوانب ومباحث الفلسفة والأسئلة الوجودية وفيما يخص نظرية المعرفة والقيم والأخلاق.
وعلى ذلك فأنا أحترم الجميع سواء من القرآنيين أو من الأصوليين أو من التنويريين، وأحافظ على مسافة واحدة منهم جميعًا. لا أتطرق للأشخاص مهما كان اختلافي معهم وأحترم الجميع بلا استثناء. أما الفكر، فإنني أحاول مناقشته بلطف وبدون اعتباط أو هجوم.
أنا أحترم القرآنيين وأتفق معهم في الكثير من أفكارهم، وخاصة مع المرحوم الدكتور شحرور الذي أوافقه في البعض من أفكاره، خاصة تفصيله في مفهوم الذكر الحكيم والكتاب والقصص القرآني ومفهوم السبع المثاني. ولكني قد أختلف معه في البعض الآخر من أفكاره، لكني بكل الأحوال لست أهلاً لأن أقيم هذا الإرث العظيم الذي تركه. كما أنني لست أهلاً لأن أقيم شخصًا مثل العلامة الشيخ الألباني رحمهم الله جميعا.
بالنسبة للتنويريين، فإنني أجد أن هناك إشكالية تتعلق بهم، فكثيرون منهم يريدون الخير بلا شك، ولكن البعض منهم يريد هدم القيم بصرف النظر عن مسمياتهم. في حين أن أساس الخطة الشيطانية على مر العصور هو هدم القيم: قيمة الله، قيمة الدين، قيمة المعلم، قيمة المربي سواء أكان أبًا أم أستاذًا، قيمة أو أخلاقا.. هذه كلها يسعى الشيطان إلى هدمها بكافة الطرق والوسائل، وهو يستخدم في ذلك أدوات عادة تتمثل هذه الأدوات في شخوص بعض المفكرين التنويريين.

بالنسبة للدين الإبراهيمي، فقد سمعت عنه، ولكن ولأن الأمر كما فهمته تقوم عليه مؤسسات ذات طبيعة سياسية، ولأنني لا أهتم بالسياسة، فإنني لا أشغل نفسي بالموضوع ولا أصدقه ولا أكذبه. لكني لا أعرف دينًا اسمه الدين الإبراهيمي، وإنما أعرف أن الدين عند الله الإسلام، ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه. أما إذا كان المقصود بالديانة الإبراهيمية أن نكون جميعًا على الحنيفية الإبراهيمية، فنحن على ذلك. أما أن يُخترع دين جديد يطلق عليه الدين الإبراهيمي فلست مع هذا أبدًا. ولكن على ما يبدو أنهم أرادوا الخروج من الأزمة الناتجة عن الصراع القائم بين أتباع الديانات، فجنحوا إلى هذا الاختراع الذي يتناقض مع ما هو موجود في الكتاب المقدس والقرآن الكريم.
بالنسبة لمؤسسة تكوين، فأنا لا أعرف الكثير عنها مع أنني سمعت عنها، ولكني أعرف عن الأشخاص الذين أسسوها معرفة ليست قليلة ولكنها ليست كثيرة أيضًا. ولكن ما أعرفه يجعل لدي تحفظات كثيرة على ما يتم طرحه، إذ يبدو لي أنهم ومثلهم الكثيرون غيرهم أرادوا الخروج من إشكاليات معينة – قلَّت أو كثرت - موجودة في الإسلام – من وجهة نظرهم – أو في الأديان عمومًا، فوقعوا فيما هو أخطر. فلا هم استطاعوا الخروج من طريقة التفكير السلفي، ولا هم استطاعوا أن يوجدوا بديلاً مقنعًا لما أرادوا الهروب منه. ومع ذلك أكرر أنني لست أهلاً لأن أقيم أحدًا.
أهمية التنوع الفكري والحذر من التطرف
أؤمن بأن جميع الجماعات الإسلامية وغيرها هم إخواني في الإنسانية. ورغم اختلافي مع الكثيرين في الكثير من الطروحات، إلا أنني أؤمن بأن وجود الجماعات المتناقضة هذه ضروري لإقامة التوازن في مجال الفكر. فرؤيتي تقوم على أن التطرف في الفكر منبوذ، ولكن مع ذلك، بل وبسبب ذلك، لا يحق لي أن أهاجم وجود أي جماعة بسبب فكرها مهما كان متطرفًا. بل إن محاربة أي فكرة سوف يحييها ويدعمها أكثر، وهذا واقع معروف عند علماء النفس والسلوك الاجتماعي.
أنا لا أدعي أنني على الحق ولا أدعي أنني أمتلك الحقيقة. أنا أطرح أفكارًا وآراء. قد يقول قائل إن هذه الأفكار يجب أن تتوافق مع السنة ومع القرآن، ولكن السؤال هو: يجب أن تتوافق من وجهة نظر من؟
منهجية التعامل مع النصوص الدينية
أما بالنسبة لموقفي من القرآن، "الذكر الحكيم" فأنا لدي تصور بأن كل الكتب السماوية قد أطلق عليها القرآن اسم "الكتاب". ولكل كتاب تفريعاته التي تندرج تحته وتسمى هي أيضًا كتبًا. وكما انخفض التفريع أو علا، فنحن نتحدث عن كتب، فكلنا أهل كتاب مسلمين ومسيحيين ويهودًا على سبيل المثال. وعندما يطلق الله وصف أهل الكتاب على اليهود مثلاً، فهو يمدحهم.
أما من حيث موقفي من القرآن الكريم أو الذكر الحكيم أو الكتاب، فأنا بداية أعتبره محفوظًا. وهو قد تضمن في طياته ما يلزم من الرسالات السابقة أو من الكتب السابقة، بمعنى أن كل ما كان موافقًا للمنهج القرآني فيما يَصلح لكل ويُصلح كل زمان ومكان مما وجد في الكتب السابقة، فقد تضمنها القرآن الكريم. أما ما لا يلزم مما اقتصرت منفعته وصلاحيته على زمان نزول تلك الكتب، فقد تخلى عنه القرآن الكريم. القرآن نص ثابت وتفسيره وتأويله متحركان، ومع أن هذه المسألة قد سبقنا إليها الكثيرون إلا أننا سوف نعرج عليها بشكل مختلف.

أما بالنسبة للسنة، فأعلن بداية أنني لا ألزم نفسي بأي مصطلح ولا ألزم أحدًا بمصطلحاتي. ومن حيث المبدأ عندي مشكلة مع الحديث لجهة التصحيح والتضعيف. فلجهة تعريف الحديث الصحيح في أبسط صوره وهو أنه الذي يرويه العدل الثقة/الضابط عن العدل الثقة/الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة، فإنني أتساءل: من الذي سوف يصدر حكمه بالعدالة والثقة/الضبط على هؤلاء الرجال الذين يكونون سلسلة رواة الحديث؟ إنهم رجال مثلهم. ثم على أي معايير تم إصدار تلك الأحكام؟ إن هناك إشكالية في هذا الأمر، وسوف تناقش بعمق لاحقًا. ولكن عندي قاعدة سبقني إليها الكثيرون وهي أنني أعرض أي حديث على القرآن الكريم، فإن وافقه أو حتى لم يعارضه أو يناقضه، فهو عندي حديث صحيح حتى لو لم يصح سنده، فلا تعتبر هذه مشكلة عندي. أي أن المسألة في الأساس تتعلق بالمتن. فإن توافق أو لم يتعارض مع القرآن أقبل به، أما أن أجعل من السند معيارًا ساميًا وأقبل بالحديث بناءً عليه، ثم أجعل الحديث مهيمنًا على القرآن أو ناسخًا له مثلاً، فأنا لا أقبل بذلك أبدا.
في هذا السياق، أود لفت الانتباه إلى سبب رفض الكثيرين للسنة النبوية. فمن رفضوها ادعوا أنها لا تتوافق مع العقل ومع المنطق... إلخ، ولكنهم أخضعوها للعقل والمنطق بمستواهما الراهن والحالي، في حين أن السنة التي تمثل اجتهاد الرسول عليه السلام وفق منطق وعقل وثقافة وعلوم زمانه لا يمكن أن تمتد بذاتها إلى المستقبل حتمًا وبالضرورة. ولهذا السبب طلب الرسول من أصحابه حرق كل ما كتب عنه. لذلك، فأنا أقول إنه يجب أن نحاكم النص ضمن واقعه، ولا تجوز محاكمته ضمن واقع ليس واقعه الذي صدر فيه. أي ضمن فهمهم وثقافتهم هم وليس ضمن فهمنا وضمن ثقافتنا نحن في هذا الزمان.
إن جميع من حاولوا الانطلاق إلى الحداثة عندما لم يحسنوا وضع ضوابط للأصالة مع حتمية عدم الانعتاق الكامل منها، فإنهم أخطأوا السبيل. فلا حداثة بدون الرجوع إلى الأصالة، ولكن ضمن ضوابط صارمة لا تقبل كل ما وردها من الماضي كما هو بعزله عن السياق الذي نشأ فيه.
التراث والعلاقة بين الفلسفة والعلم
بالنسبة لكتب التراث، فلا يسعني إلا أن أعترف بأن الكثير منها كان مجرد نسخ ولصق بلا أي إضافات نافعة، فهذا لا نحتاجه ولا داعي له. ولكن ما لا شك فيه أن الكثير من كتب التراث تعتبر مراجع لا يُستغنى عنها. مع ضرورة توضيح أن العلماء الذين خطوا لنا تلك الكتب كانوا يقدمون في كتبهم محاولات للتوفيق بين القرآن والحديث عندما يبدو أن هناك تعارضًا بينهما، ولكن وفق منظورهم ومعتقداتهم ومناهجهم التي كانت سائدة ومهيمنة على عقولهم وأنماط تفكرهم. ولنا أن نقبل منها أو لا نقبل بما يلائم احتياجاتنا وزماننا، وأن نترك ما لا يناسبها بحسب منهاجنا في التفكير وبحسب حيثيات زماننا.. إن لنا الحق في أن نقول ما نريد مثلما قال الأولون ما أرادوا، ولن نكون بقولنا بخلاف ما قالوا مقللين من شأنهم. ونقول هم اجتهدوا وأصابوا وأخطأوا، ولنا الحق في أن نفعل مثلما فعلوا، وأن ننتقد الأفكار وليس الأشخاص.
بالنسبة للمجتمعات الإنسانية، فأستطيع القول بأن معظمها إن لم تكن جميعها مُغيبة. إن من يتمكن من مراقبة ومشاهدة هذه المجتمعات من الأعلى ليُطل أكثر على المشهد يستطيع أن يكتشف أن هناك تضييعًا وهدرًا شبه كامل للقيم. إن أخطر ما في المؤامرة الشيطانية أنه جاء لكل مجتمع من داخل خصائصه ومن داخل تفاصيل معتقدهم ليكون اختراقه لهم سلسًا وسهلاً. فهو يوظف أفكارك ومعتقداتك وخصائصك وقيمك ضدك، وهذه هي الكارثة التي وقعت فيها كل المجتمعات الإنسانية بدون استثناء، حتى على المستويات السياسية والاقتصادية.

أما على صعيد العلاقة بين الفلسفة والعلم، أقول بأنه كانت هناك محاولات دائمة عبر التاريخ لتمزيق العلاقة بين الفلسفة والعلم، لأن الربط بينهما من شأنه أن يؤدي إلى إيجابيات هائلة لصالح الإنسان، لذلك كان استهداف هذه اللحمة من أهم ركائز الخطة الشيطانية. لذلك نلاحظ دائمًا خاصة عند أهل الديانات حربًا شعواء على الطروحات الفلسفية. بل إن العلوم الطبيعية نفسها راحت تحارب الفلسفة وتدعي الاستغناء عنها، مع أن تطور العلوم يؤكد أنه لا بد من التوأمة بين الفلسفة والعلوم. وهو ما أسميه تزويج الفلسفة بالعلم، ولا يمكن للعلم أن يتطور إلا من خلال أمومة الفلسفة له.
أما عن طبيعة الطرح، فسوف نستخدم النصوص الدينية التي وردت في الكتاب المقدس، سواء القرآن أو التوراة أو الإنجيل، وما صح من أحاديث الرسول الكريم وفق منهجنا في ضرورة عدم التعارض مع ما جاء في القرآن. بل إننا لن نتردد في الأخذ عن الصحابة العظام أو عن العلماء الكبار في ما يلزمنا. بالنتيجة فإن فلسفة التشخيص والتجريد تشكل بناءً لجسور بين الماضي والمستقبل بحيث ترتكز على القواعد الصحيحة النقية التي أسستها الإنسانية في الماضي لنرتقي في بنائنا الوعيوي في آفاق المستقبل بتجرد وحيادية وموضوعية دون أي تمييز بين إنسان وآخر على أي أساس ديني او عرقي او إثني أو طائفي أو من حيث جنسه أو لونه أو جنسيته أو وطنه فالهدف الأسمى في هذه الفلسفة هو الإرتقاء بالإنسانية جمعاء من خلال زيادة الوعي والبناء المعرفي والقيَمي والأخلاقي والبعد عن كل ما يعيق هذا الارتقاء من فوضى وأذى واعتداء وتمييز وإساءة وتخلف وجهل من أي نوع كان وتحت أي شعار ومسمى وبعيدا عن أي نوع من انواع خطاب الكراهية.. ومن خلال تعظيم دور حرية الإنسان في البحث والتطوير والتحضّر والتعلّم ضمن دائرة الإخاء الإنساني..
من الحلقة التمهيدية لبرنامج الأبعاد السبعة

التعليقات:

لا توجد تعليقات بعد.